وادي مزاب لم يكن مجرد إرث تاريخي و معبر سياحي يمكن أن ينتهي الشغف بمجرد الانتهاء من زيارته ، بل هو وادٍ محمل بسيول من الحكمة .
كثيرا ما نبحث عن الحكمة في النظريات الغربية و الحضارات الخارجية و التجارب الأجنبية حتى نصمم مدينتنا الفاضلة أو سياساتنا الفاضلة ، لكن أقولها و بكل موضوعية و مسؤولية تاريخية ، الحكمة هاهنا بيننا ، في غرداية في وادي مزاب .
يمكن تشبيه المجتمع المزابي بدراجة هوائية تمشي على عجلتين ، عجلة في المقدمة تمثل القيم المستمدة من الدين و العرف و التوافق الاجتماعي يعلوها مقود مؤسساتي حكيم يوضح الرؤية و الوجهة يسمى نظام العزابة تشكله هيئة الحل و العقد من حكماء المنطقة علما و تجربة و مصداقية .
و عجلة خلفية تمثل التمكين المادي الذي يغذي المجتمع بوقود المال و قلة الحاجة و الفطام المالي البعيد عن أي ابتزاز . مع نظام تكافلي اجتماعي بنظرة رأسمالية في الكسب لكنها ذات مسؤولية اجتماعية كبيرة اتجاه المجتمع و اتجاه الضعفاء .
تسبق القيمة دوما المادة و هذا تفصيل هام جداااا .
مع ميكانيزم حركي يضمن الحركة الدائمة في المجتمع و تبادل الأدوار ، رجل تدفع و رجل تنتظر دورها في الدفع ، جيل يدفع و جيل ينتظر دوره في الدفع . تغذى هذه الدافعية دوما بالعلم و المعرفة ، أي بالمنظومة التعليمية و التركيز على الاستثمار في العنصر البشري وفق قاعدة كل ميسر لما خلق له . و سلسلة طويلة يمثل فيها كل إنسان دوره الحضاري على أكمل وجه ، لو نقصت حلقة انفرط عقد السلسلة ، و لو زادت حلقة في غير موضعها تسقط السلسلة و تسقط معها الدراجة . و حلقات مترابطة فيما بينها ارتباطا وثيقا جدا كلها تدور في اتجاه واحد يمثل العقد الاجتماعي المتفق عليه منذ الأزل .
مع سلة مليئة بالرسائل الحضارية و التمكينية للأجيال الحالية و القادمة مما يمثل بندا هاما من بنود التنمية المستدامة .
هذه الحركية الدائمة و الدافعية نحو صناعة الحضارة و البقاء و صمان الاستمرارية ، هي التي تضمن عدم سقوط الدراجة الهوائية رغم أنها تقف على عجلتين فقط .
حاول أن تحذف أي عنصر من العناصر التي ذكرتها ستجد خللا في الميكانيزم برمته .
هذا هو وادي الحكمة باختصار . لا مادة دون قيم و لا قيم دون مادة .
في المال الأولوية للقوي الأمين و في إدارة شؤون العامة الأولوية للحفيظ العليم . أي مجموعة القيم مع مجموعة المهارات .
و أي إصلاح حضاري لا يأخذ بعين الاعتبار هذه التفاصيل مآله الفشل و السقوط نحو الهاوية .