كانت القبائل قديما تدفع الجزية و المكوس للملوك الذين تقع تلك القبائل تحت سيطرتهم و سطوتهم نظير الحماية و الأمان من العدوان . و كان زعيم القبيلة يؤدي تلك الجزية حتى يحافظ على مكانته في القبيلة و إلا تم قتله و استبداله بخادم مطيع . هكذا كان المشهد قبل قرون من الزمن الغابر .
تغيرت الدول و تنظيماتها لكن الجزية لازالت قائمة في بعضها ، و أتكلم هنا عن ظاهرة خطيرة جدا تنهك الاقتصاد الوطني ، و هي أن الآمر بالصرف في أي مديرية محلية لن يحصل على الميزانية الكافية في السنة المالية المقبلة دون أن يؤدي الجزية للمدير المركزي المكلف بالميزانية في قطاعه ، فلا يكفي أنك ترسل ملفا تناقش فيه الميزانية التقديرية مرفقة بمبررات تقنية لتلك النفقات ، بل يجب أن تمتلك شبكة علاقات مع من أمنته الدولة على التصرف في الميزانية القطاعية ، و في أحيان كثيرة يجب عليك أن تؤدي الجزية الإدارية لتحصل على الميزانية الكافية . و لكي تغطي تكاليف تلك الجزية أنت مضطر كذلك لتضخيم الفواتير وممارسة الفساد لكي تؤمنها و تؤمن نصيبك طبعا .
و في الأخير إما أن تؤدي الجزية و تحصل على المشاريع و المال الكافي و إما ستحصل على اعمادات ضئيلة لا يمكنك من خلالها تقديم خدمة عمومية في المستوى فتسوء صورتك لدى العامة فتتعرض للاقالة أو تجبر على الاستقالة بعد حالات الاحتجاج المتكررة .
و هذا ما يفسر أن بعض المؤسسات التابعة لنفس القطاع لا تحصل على نفس الاعتمادات رغم تشابهها هيكليا ، و حتى الولايات و البلديات لا تحصل على نفس الاعتمادات المالية في الكثير من القطاعات الحساسة . لأنو مكانش بارام معين توزع على اساسه الاعتمادات بل يخضع الأمر غالبا للهوى و الحوافز و الجزية و العلاقات .
تضخيم تلك الفواتير لتأمين الجزية يؤدي حتما إلى غياب الجودة في الخدمات العامة و إلى غياب معيار الكفاءة في الميزانية . و الضحية هو المواطن في الأخير .
و هنا أطرح سؤالا هاما
هل كان المسؤولون المحليون في ولاية تيارت نائمون طيلة هذه السنوات عن مشكل المياه ، أم أنهم طالبوا بمعالجة القطاع عبر تقاريرهم و عرض الحال و مشروع الميزانية لكنهم اصطدموا ببيروقراطي يطلب الجزية !!!